اهدنا الصراط المستقيم بيان للمعونة المطلوبة فكأنه قال : كيف أعينكم فقالوا اهدنا . أو إفراد لما هو المقصود الأعظم . والهداية دلالة بلطف ولذلك تستعمل في الخير وقوله تعالى : فاهدوهم إلى صراط الجحيم وارد على التهكم . ومنه الهداية وهوادي الوحش لمقدماتها ، والفعل منه هدى ، وأصله أن يعدى باللام ، أو إلى فعومل معاملة اختيار في قوله تعالى : واختار موسى قومه وهداية الله تعالى تنوع أنواعاً لا يحصيها عد كما قال تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ولكنها تنحصر في أجناس مترتبة :
الأول : إفاضة القوى التي بها يتمكن المرء من الاهتداء إلى مصالحه كالقوة العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة .
الثاني : نصب الدلائل الفارقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد وإليه أشار حيث قال : وهديناه النجدين وقال : وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى .
الثالث : الهداية بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وإياها عنى بقوله : وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وقوله : إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .
الرابع : أن يكشف على قلوبهم السرائر ويريهم الأشياء كما هي بالوحي ، أو الإلهام والمنامات الصادقة ، وهذا قسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء وإياه عنى بقوله : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده . وقوله : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . فالمطوب إما زيادة ما منحوه من الهدى ، أو الثبات عليه ، أو حصول المراتب المرتبة عليه . فإذا قاله العارف بالله الواصل عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا ، وتميط غواشي أبدننا ، لنستضئ بنور قدسك فنراك بنورك . والأمر والدعاء يتشاركان لفظاً ومعنى ويتفاوتان بالاستعلاء والتسفل، وقيل : بالرتبة .
والسراط : من سرط الطعام إذا ابتلعه فكأنه يسرط السابلة ، ولذلك سمي لقماً لأنه يلتقمها . و الصراط من قلب السين صاداً ليطابق الطاء في الإطباق ، وقد يشم الصاد صوت الزاي ليكون أقرب إلى المبدل منه . وقرأ ابن كثير برواية قنبل عنه ، و رويس عن يعقوب بالأصل ، و حمزة بالإشمام ، والباقون بالصاد وهو لغة قريش ، و الثابت في الإمام وجمعه سرط ككتب وهو كالطريق في التذكير والتأنيث .
و المستقيم المستوي والمراد به طريق الحق ، وقيل : هو ملة الإسلام .