لا تزال المرأة في عديد من المجتمعات العربية تعاني من تفاقم ظاهرة العنف المسلط عليها وهو عنف يتخذ أشكالا متعددة كممارسة الخفاض "ختان الإناث" وحرمانها من حق اختيار شريك حياتها وإجبارها على الزواج دون رضاها وتسليم جسدها لرجل لا ترغب فيه وإكراه القاصر على الزواج بشيخ وإجبار المرأة على الإنجاب كل سنة رغم العوائق الصحية وضربها وتهديدها بالطلاق وممارسة الاغتصاب الزوجي إلى غير ذلك من مظاهر التعنيف على الجسد الأنثوي.
وقتل المرأة على خلفية الإخلال بالشرف عادة قبلية قديمة ما تزال ضاربة بجذورها في عديد المجتمعات مثل الأردن وفلسطين ولبنان ومصر والمغرب وسوريا والعراق والأردن وتركيا وغيرها وحتى في المجتمعات الغربية. .إنها جريمة قتل مع سبق الإصرار و الترصد يرتكبها أب أو أخ أو زوج وقد يكون إبنا أيضا.
ويعامل الجاني في غالب الأحيان على أنه بطل مسح العار الذي ألحقته المرأة المقتولة بالأسرة .
وفي هذا الاطار ذكر تقرير أن شخصا واحدا على الأقل يقتل كل أسبوع في اسطنبول بسبب جرائم الشرف، وأن عدد هذه الجرائم تجاوز الألف خلال السنوات الخمس الماضية.
وأشار إلى أن عدد جرائم الشرف و"غسل العار" ارتفع من 150 عام 2002 إلى 220 عام 2007. وأضاف أن 9% من هذه الجرائم يرتكبها الأطفال، وأنها تتركز في ضواحي المدن مشيرا الى أن 167 شخصا قتلوا في اسطنبول خلال السنوات الخمس الماضية، كما ارتفع عدد الجرائم فيها من 27 عام 2002 إلى 53 في عام 2007، وقتل في أنقرة 144 شخصا وفي ازمير 121 شخصا وفي ديار بكر69 وأن معظم الجرائم يرتكبها أشخاص تنحدر أصولهم من مناطق شرق تركيا.
وأوضح مدير إدارة حقوق الانسان بمجلس الوزراء التركي تحسين فيندو أوغلو أن حوادث جرائم الشرف وغسل العار تعكس المستويات التعليمية، وأن ضحاياها ليس من النساء من فقط ، ولكن الرجال أيضا يذهبون ضحايا لجرائم الشرف وغسل العار.
وهناك أسلوب آخر غير القتل في جنوب شرق تركيا وهو الإجبار على الانتحار وحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فإن هناك 25 امرأة وفتاة أجبرن على الانتحار بواسطة أقاربهن في إطار جرائم القتل باسم الشرف .
وحسب "أوزلام واليكران" المسؤولة في مكتب المنظمة في اسطنبول، فإن العائلات تختار وسيلة القتل التي تريدها مثل إطلاق الرصاص من مسدس أو الشنق في سقف غرفة وتأمر الفتاة أو المرأة بالتنفيذ، وتقيد الجريمة في سجلات الشرطة انتحارا، كما أن هناك جرائم تقيد على أنها وفاة طبيعية بتواطؤ من موظفي وزارة الصحة وربما الشرطة أحيانا.
ويرتبط القتل من أجل الشرف في جنوب شرق تركيا أيضا بشيوع الجرائم المسلحة بشكل عام وامتلاك الأسلحة فحسب الإحصاءات الرسمية فإن أكثر من 50% من النساء في البلاد يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف الجسدي واللفظي.
ولظاهرة "جرائم الشرف" علاقة بأوضاع المرأة بشكل عام في جنوب شرق تركيا، فوفقا لإحصائية منظمة "كارمار" فإن 45% من المتزوجات أجبرن على الزواج من رجال اختارت لهن أسرهن و57% غير راضيات عن الأزواج الذين قبلن بهم مكرهات.
وذكرت تقارير صحفية بريطانية أن تداول صور الممارسات الجنسية ساهم بشكل كبير في تصعيد وتيرة جرائم الشرف في إقليم كردستان العراق.
كما يشير إلى أن عدد جرائم الشرف في العراق في ازدياد، وأن هناك بعض الذين يرمون الوقود على النساء ويحرقنهن، والبعض الآخر يقوم بإطلاق النار عليهن.
وينقل التقرير عن الأمم المتحدة قولها إن أكثر من 350 امرأة قتلت في كردستان العراق بجرائم شرف خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2007.
ومن أهم أحد أسباب انتشار جرائم الشرف في العراق هو انتشار الهواتف المحمولة، التي تحتوي على كاميرات وذلك بسعر رخيص، وأن الرجال يحبون تصوير أنفسهم وهم يمارسون الجنس، ومن ثم يقومون بتوزيع الصور على أصدقائهم فينتهي الأمر بفضيحة تؤدي إلى جريمة. وتشكل الصور الملتقطة بواسطة الهاتف المحمول نوعا من الإثبات في بعض الأحيان للزوج أو الأخ أو الأب، وتدفعهم إلى تنفيذ جريمة الشرف.
وجاء في تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة لمساندة العراق في يونيو/حزيران 2007 أن عمليات العنف ضد النساء في كردستان ارتفعت بنسبة 18 بالمائة خلال الفترة من مارس/آذار إلى مايو/أيار 2006.
وأكدت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن حكومة إقليم كردستان، حدوث 15 عملية قتل بأدوات غير حادة، و87 عملية قتل بإشعال النار، و16 عملية قتل بالرصاص، خلال الربع الأول من عام 2007. أما الربع الثاني من نفس العام فقد شهد ثمان حالات قتل بأدوات غير حادة، و108 عمليات إشعال نار، و21 عملية إطلاق رصاص.
وأفاد تقرير صادر في 26 نوفمبر/تشرين الثاني عن وزارة حقوق الإنسان بكردستان بأن عدد النساء اللواتي انتحرن بإشعال النار في أنفسهن ارتفع من 36 امرأة عام 2005 إلى 133 عام 2006، كما ارتفع عدد عمليات القتل التي تعرضت لها النساء من أربع عمليات عام 2005 إلى 17 عملية عام 2006.
الشك دافع كاف للقتل
تؤكد الدراسة المصرية المعنونة "الجرائم بسبب الشك" التي أعدها د.عوض المر رئيس المحكمة الدستورية السابق ود.تهاني ابراهيم المحامية وعزة سليمان مدير عام مركز قضايا المرأة أن الدافع الأساسي لارتكاب جرائم الشرف هو الشك في السلوك حيث بلغت نسبة جرائم القتل بسبب الشك 79 % وتؤكد أن هناك عددا كبيرا من النساء المجني عليهن يتم قتلهن لمجرد الشك، ومعضمهن يقع عليهن العقاب لظن خاطىء.
وتأتي في الترتيب الثاني من جرائم القتل. أما اكتشاف الخيانة أو اعتراف الضحية بها فنسبتها 9 %، تليها الرغبة في منع اظهار العلاقة مع العشيقة سواء كانت عشيقة الجاني أو عشيقة أحد أقاربه وبلغت نسبتها 6 % .
هذا بالاضافة إلى جرائم قتل ضد عشيقة الأب أوالأخ أو ابن العم" وبلغت نسبتها 6 % إلى جانب عدة أسباب أخرى للقتل مثل زواج الأم عرفيا أو رغبة الأم في الزواج أو اعتداء الأخ على أخته جنسيا أو اعتداء الأب على ابنته جنسيا وظهور علامات الحمل عليها.
كما تشير الدراسة الي تنوع ردة فعل الجاني تجاه شكوكه في سلوك الضحية التي قتلها أو حاول قتلها، فنجد أن 90 % من ردود الأفعال هي القتل العمد للضحية. بينما هناك 10 % فقط، شروع في القتل، وربما لم يتم لظروف خارجة عن ارادة الجاني.
وتعرضت الدراسة أيضا الي نقطة مهمة، وهي درجة القرابة بين الجاني والمجني عليه، فقد احتلت جرائم قتل الزوجة نتيجة الشك في سلوكها أعلى نسبة "41 % " من اجمالي جرائم القتل، وجاء في المرتبة الثانية قتل الابنة بنسبة "34 % "، ثم قتل الأخت بنسبة "18 % "، وأخيرا القتل داخل العائلة بسبب الشك في السلوك بلغت نسبته 7 %.
أما سوريا التي تحتل المرتبة الخامسة عالمياً والرابعة عربياً في انتشار "جرائم الشرف"، فيقدر خبراء سوريون عدد الجرائم المرتكبة بداعي "الشرف" سنوياً بنحو 300 جريمة معظمها في المجتمعات الريفية، مشيرين إلى انتشارها في الآونة الأخيرة .
وبالرغم من ذلك تعطي المادة 548 من قانون العقوبات السوري الرجل الذي يقتل زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته بداعي "الشرف"، حق الاستفادة من العذر الذي يجعله في حكم البريء، أو الاستفادة من الحكم المخفف إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر، تشترط التلبس للعمل بها.
وتدعم هذه المادة من القانون أيضاً العادات والتقاليد الاجتماعية التي لا تزال تحفر في الذاكرة العربية منذ عصر الجاهلية حتى الآن، وتوفر تلك القيم الحماية الكافية للشخص الذي يرتكب"جريمة الشرف".
كما يطغى في اليمن والأردن الايمان الراسخ بضرورة تطبيق تلك الجرائم حفاظاً على شرف العائلة أيضا ، ويكون الشك هو بطل الجريمة في الغالب.
فقد أثبتت دراسة أكاديمية بجامعة صنعاء باليمن ، تناولت انتشار ظواهر جرائم الشرف والزواج المبكر والانتهاك الجنسي للأطفال في اليمن، أن تعرض الفتيات إما للقتل أو انتهاك حقوقهن كأطفال، لمجرد الظنون أو الشبهات.
وذكرت الدراسة أن المفهوم المجتمعي له بدا متسعاً لدرجة احتساب البعض حديث الفتاة مع رجل ماساً بالشرف مما يؤدي إلي انتهاكات كثيرة لحقوق الأطفال بداعي حماية الشرف.
وتبدو ظاهرة جرائم الشرف في فلسطين أكثر اتساعا حيث أكدت الأخصائية النفسية في جمعية الدفاع عن الأسرة بمدينة نابلس سعاد الشتيوي، أن ازدياد جرائم الشرف في فلسطين يعود إلى حالة عدم الاستقرار الذي يعيشه المجتمع، و"الفلتان" الأمني الذي تمر به الأراضي الفلسطينية.
وأشارت إلى أن الحالات الموثقة لدى منتدى المنظمات الأهلية الفلسطينية لمناهضة العنف ضد المرأة منذ بداية سنة 2007 ما مجموعه 58 حالة قتل لفتيات ونساء في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت أصغرهن مولودة قتلت يوم ولادتها، وأكبرهن عمرا 75 عاما، ومن بين مجموع الحالات كانت 26 حالة - منها 10 حالات في الضفة الغربية و16 حالة في قطاع غزة - قد وثقت رسميا على أنها قتل على خلفية ما يسمى "الشرف".
ولم تقتصر هذه الجرائم على الدول العربية فحسب بل انتشرت أيضا في عديد الدول الغربية حيث يقول خبراء أوروبيون أن تلك الجرائم في ازدياد في أوروبا، غير أن أرقام الضحايا غير معروفة على وجه التحديد.
وفي إنجلترا وويلزأعادت الشرطة التحقيق في أكثر من مائة حالة قتل تشتبه في أنها مما يعرف بـ"جرائم الشرف". ويبحث محققو شرطة لندن في ملفات جرائم قتل تعود إلى أكثر من عشرة أعوام مضت، وقعت 52 منها في العاصمة البريطانية بينما وقعت 65 منها في أجزاء أخرى من إنجلترا وويلز.
كما تم تشكيل مجموعة عمل في بريطانيا لبحث "جرائم الشرف" العام قبل الماضي وكان الكثير من الضحايا من الفتيات من أصول جنوب آسيوية. وتقول الشرطة إن بعض جرائم القتل نفذها قتلة مأجورون استأجرتهم أسر الضحايا.
كما تعتقد الشرطة أن من يطلق عليهم اسم "صائدي الثروة" ينخرطون أحيانا في تلك الجرائم، وهم أشخاص، بينهم نساء، يتكسبون من تعقب الضحايا.
وقد أعلنت الشرطة البريطانية عن إجراء بحث يتعلق بالأفكار المحيطة بجرائم الشرف
[b]