كما أن التربية تعتمد على أساس لا بد من المربين الانتباه لها :
1 / أن يراعى سن الطفل : فمثلا الطفل في سنته الأولى يربى على مهارات تناسب سنه الصغيرة كالاعتماد على نفسه في الأكل وكذلك في سنته الثانية والثالثة , بينما الطفل في سنته السادسة فهو يحتاج إلى تركيز أكثر في المهارات ، بأن نجعله يعتمد على نفسه في بعض الأعمال كالصلاة ، والذهاب إلى المدرسة بنفسه إذا كانت قريبه من البيت بإشراف و مراقبة من بعد ، حتى تتأصل في نفسه الاعتمادية مع الأخذ في الاعتبار التدرج في ذلك.
2 / مراعاة عقلية الطفل : فغالباً ما تكتشف في المدرسة حيث يتبين ذكاء الطفل و درجة استيعابه ، فـلربما يكون الطفل لديه ذكاء مرتفع أو متوسط أو أقل من ذلك ، وهنا علينا عألا نطالبه بدرجات عالية طالما ذكاؤه أقل من المتوسط ، فلا نحمله ما لا طاقة له بها ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها لأن هذا يؤثر على نفسيته و أدائه التحصيلي ، فهو يحتاج منا لتشجيع و متابعة في المدرسة .
3 / مراعاة ميول الطفل وعدم جبره على شيء يكرهه أو ليس له رغبة به بل نعمل على تشجيع مواهبه وإنماء ميوله ، و نحاول توفير ذلك لها فمثلاً عندما نجد له موهبة في الرسم فلا بد من توفير الأقلام والأدوات له حتى ننمي تلك الموهبة عنده .
4 / نجعل من الطفل إنساناً اجتماعياً دون عزله في البيت بل نحاول عندما يبلغ من العمر سنواته الثمانية أو اقل نعمل على اشراكه في أعمال اجتماعية ، و تركه يختارالطفل الذي يرغب في اللعب معه ، وتكوين صداقة معه حتى يكون اجتماعياً و ذلك للحيلولة دون انطوائية الطفل و انعزاليته .
و للعلم أن الكثير من الآباء والأمهات يجهلون الكيفية في التعامل مع أبنائهم وذلك لعدم وعيهم بأمور التربية و أصولها السليمة ، و يعتبر هذا الأمر مهماً لتنشئة الأبناء بجو ديني أخلاقي يعلمهم الاحترام ، والقيام بالواجبات الدينية كالعبادات والعقائد والأخلاق وغيرها ، وكذلك تعليمهم السلوكيات والمنهجيات الصحيحة ، و التمييز بين الخطأ والصواب و بين الخير والشر وكذلك احترام الكبير واتخاذ النموذج الأفضل قدوة له .
التربية والمراهقة :
أن ما نعرفه في التربية أنها عالم لاحب فسيح من المعرفة ، لذا يجب على كل شخص يقدم على الارتباط و الزواج أن يدخل هذا العالم من أبوابه ، ويستمد منه كل أمور التربية ليكون قادراً على التعامل مع الأسرة أو الأبناء ، ومن هنا نجد أن التربية لها عدة أبواب في التعامل في مراحل نمو الطفل من المهد ........إلى المراهقة التي هي أصعب المراحل التي يتم التعامل معها من قبل الوالدين حيث لكل مرحلة أسلوبها و طريقة تعاملها ، ولكن دائماً ما نجد أن الأهل يجدون صعوبة في التعامل مع أبنائهم في مرحلة المراهقة التي يتعرض فيها المراهق لتغيرات فسيولوجية و جسدية مما يجعله مضطرباً نفسياً و ينكمش على ذاته دون تقبل للآخرين بسهولة لذلك فهو يحتاج إلى عناية واهتمام كبيرين لتجاوز هذه المرحلة الحرجة في حياتهم ، و إذا مرت هذه المرحلة بسلام فستكون المراحل اللاحقة أسهل بكثير ، و هذا لا يعني تجاهل المراحل السابقة فالاهتمام يكون من بداية النطفة و نموها في قرار مكين من رحم الأم حيث دلت الدراسات الحديثة على قابلية تأثر الجنين بأمه . و لا بد من الإشارة إلى أن هناك الكثير من الكتب الإسلاميه المتعلقة بتربية الطفل دينياً وهي متوفرة في كل المكتبات ولكن المشكلة ليست في المراجع وإنما في الشخص المقدم على تكوين أسرة ووعيه لأهمية هذه المسائل.
نصيحتي لكل الآباء:
لا تفتعلوا مشاكل مع أبنائكم المراهقين حينما لا يأخذون برأيكم في أمور عادية حيث يمكنهم اتخاذ قرارهم بشأنها بأنفسهم، فالمراهق الذي يعاني من أزمة الهوية في هذه الفترة يسعى للاستقلال عن أسرته في اتخاذ قراراته ورأيه بشأن الملابس أو التصرفات أو طريقة الحياة أو الأصدقاء بعد أن كان في الطفولة لصيقاً بوالديه يفعل جل ما يؤتمر به.. فهو في فترة المراهقة يميل إلى الالتقاء بالأصدقاء والأخذ برأيهم ويتأثر بهم أكثر من الوالدين، وهذا شئ طبيعي يمر به معظم المراهقين، فلا يجب على الآباء افتعال المشاكل مع الابن مما يوسع الهوة بينهما..فيجب التعامل مع هذه المرحلة بشكل طبيعي إن لم يكن هناك سوء في طريقة حياته أو لم يكن يرافق رفقاء سوء ، و المحاولة من اشراك المراهق في اتخاذ القرارات التي تتعلق بالمنزل أو إدارته حتى يشعر المراهق بأهميته و تقدير الآخرين لذاته الضائعة مع تفهم الوالدين لطبيعة المرحلة التي يمر بها و بأنه لم يعد طفلاً يملون عليه أوامرهم من واقع حبهم للسيطرة عليه..
التربية والتأديب :
اعلم أن النفس مجبولة على شيم مهملة ، و أخلاق مرسلة ، لا يستغني محمودها عن التأديب ، و لا يكتفي بالمرضي منها عن التهذيب ، و التأديب يلزم من وجهين : أحدهما ما لزم الوالد لولده في صغره ، و الثاني ما لزم الإنسان في نفسه عند نشأته و كبره .
فأما التأديب اللزم للأب فهو أن يأخذ ولده بمبادئ الآداب ليأنس بها ، و ينشأ عليها ، فيسهل عليه قبولها عند الكبر ، لاستئناسه بمبادئها في الصغر لأن نشأة الصغير على الشيء تجعله متطبعاً به ، و من أغفل في الصغر كان تأديبه في الكبر عسيراً .
التاْديب هو التربية و نوع منها و ذلك باْن تروض الطفل وتعلمه وتغرس فيه الوعي حسب مستوى عـقله ، فموضوع الضرب ليس وارداً في التاْديب وهو تماماً كالعملية الجراحية التي لا نلجاْ إليها إلا بعد استنفاد كافة الوسائل ، فالضرب سلاح ذو حدين قد ينقلب إلى نتيجته عكسياً و مفعوله آني مؤقت ، فقد يرتدع الاْن ولكنه سيتمرد يوماً خصوصا إذا أصبح الضرب قوته اليومي الذي اعتاد عليه ، أو سبب له الضرب احساساً بالقهر والاذلال لا سيما إذا ضرب اْمام أخوته اْو أصدقائه ، فانه وقتها سيشعر اْن كرامته اْهينت فكما للطفل كرامته كذلك الكبير إلا إنه يعبر ويتمرد اْما الطفل الصغير فلا .. لذلك مشكلة بعض الآباء والاْمهات والمعلمين في المدارس اْنهم لا يصبرون على الأبناء لذلك تاْتي النتائج على المستوى التربوي سلبية ولا تحمل اْي ايجابيات فاْنت تعالج إنساناً عقله متحرك وطبعه متحرك ، فيجب اْن تصبر عليه حتى تصل إلى النتائج جيدة ، لكن إن سدت الطرق لإصلاحه و لا ينفع غير الضرب حينها يجوز الضرب على يكون ضرباً تاْديبياً غير مبرح و موجع و غير مؤذٍ له ، وهنا نشير باْنه ينبغي اْلا نضرب الطفل إذا كانت الأعصاب متوترة والنبي(ص) نهي عن الاْدب وقت الغضب ولذلك عندما تريد اْن تؤدب تلميذك اْو ابنك ينبغي اْن تكون هادئ الأعصاب حتى تدرك مواقع الضربة فلا تؤذيه وبالتالي فلا تحقره ، يقول ابن مسكويه : " و على الوالدين أخذهم بها أي حمل الأولاد على مراعاة الفضائل " و بسائر الآداب الجميلة بضروب من السياسات من الضرب إذا دعت إليه الحاجة أو التوبيخات ، و يرى ابن الجزار القيرواني أنه : " لا بد لمن كان كذلك ( عسر التأديب ) من إرهاب و تخويف عند الإساءة ، ثم يحقق بالضرب إذا لم ينجح التخويف " مع أن للضرب آثاره النفسية و الاجتماعية المدمرة التي يُحذر منها ، و لهذا يقرر ابن سينا أن المؤدب إذا اضطر إلى معاقبة الطفل فلا يلجأ إلى العقوبة إلا عند الضرورة بعد أخذه بأساليب الترهيب و الترغيب و الإيناس و الإيحاش و الإعراض و الإقبال و الحمد و التوبيخ "فإن احتاج إلى الاستعانة باليد لم يحجم عنه ... بعد الإرهاب الشديد و بعد إعداد الشفعاء " .
فالتربية في المقام الأول تأديب و تهذيب في إطار المثل و التعاليم و القيم التي أمر بها الإسلام و زكاها ، و كان الرسول (ص) الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه هو المثال الأعلى لكل إنسان في التأديب و حسن الخلق و لن يصل إلى هذا المثال إلا بأسلوب تأديبي يعني به المربون في تنشئة الصغير و تشكيله و تطبيعه يقول (ص) : " ما نحل والد ولداً أعظم من أدب حسن " ، و طالب الآباء بضرورة التفرغ لتأديب صغارهم فقال : " ألزموا أولادكم و أحسنوا أدبهم " و جعل هذا التأديب من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله فقال : " لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين " فعلى الوالدين أن يتبعا أقوال أهل البيت في كيفية تربية الولد و البنت ، وتغيير أسلوب التعامل تدريجياً في مراحل العمر المختلفة " داعبوا أبنائكم سبع ثم أدبوهم سبع وصاحبوهم سبع ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب " .
و في الختام اختم بحكمة قالها العلامة السيد هادي المدرسي حيث قال عن التربية : " التربية ، فن - كفن السياقة - مهارة عملية تكتسبها، وليست موهبة فطرية تولد بها".
فيا أيها الآباء و الأمهات تفننوا في تربية أبنائكم و أحسنوا إليهم كما أحسن الله إليكم
" ألزموا أولادكم و أحسنوا أدبهم "